المقدمة: إن الحركات الجماهيرية بكافة أشكالها وأنواعها سواء كانت دينية أو اجتماعية أو قومية هي شيء يستحق الدراسة والتحليل، حيث تتمكن تلك الحركات من حشد العديد من البشر للانتماء لها، بل وتتمكن بطريقة أو بأخرى من الحصول على ولائهم المطلق وإيمانهم الأعمى بها، وتؤدي تلك الحركات في كثير من الأحيان إلى شحن المنتمين إليها بالعديد من المشاعر السلبية والمتطرفة التي تؤدي بدورها إلى موت العديد من البشر ضحية لتطرفها، وهو ما يجعلها ذات تأثير وخطورة كبيرين على المجتمع وأفراده.
تعد الرغبة في التغيير من أهم العوامل التي تدفع البشر إلى الانضمام إلى الحركات الجماهيرية بكافة أنواعها، حيث نجد أن سخط الأفراد على أوضاعهم المعيشية وواقعهم هو ما يولد لديهم الحماسة والانفعال الثوريين الذين يدفعانهم إلى الانضمام لمثل تلك الحركات التي تقدم لهم وعودًا بالحصول على فرص أفضل للحياة في مستقبلهم، أو إدخال تغييرات جذرية لتحسين طبيعة المجتمع الذي يعيشون فيه، ويمكن أن نرى قدرة الحركات الجماهيرية على التغيير في مجرى الأحداث حول العالم ما تمكنت تلك الحركات الجماهيرية من تغييره في الحرب الأهلية في (الولايات المتحدة الأمريكية) وحركة الإصلاح البروتستانتي، والثورة البلشفية في (روسيا) التي كانت تهدف إلى تحويلها إلى الاقتصاد الشيوعي، وكذلك الثورة الفرنسية التي كانت أهم أهدافها تحقيق الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية.
أما في (اليابان)، فإن النجاح الأسطوري والتحول الضخم الذي تمرّ به تلك الدولة هو في الأساس نتيجة للحركة القومية اليابانية وتأثيرها الضخم على المجتمع وتمكنها من تغييره، تمامًا كما هو الحال مع الحركة القومية التركية التي قادها (مصطفى كمال أتاتورك) والتي أدت إلى تحول الدولة بشكل جذري تقريبًا، ونجد أن هناك عدة عوامل أخرى إلى جانب الرغبة في التغيير ألا وهي الاحساس بالقوة والثقة بالنفس اللذان يدفعان المرء إلى الثورة والتغيير بجرأة ودون خوف مثلما كان الحال لدى أتباع المذهب الماركسي الذين استمدوا منه قوتهم، كذلك أتباع النازية الذين استمدوا من الدعاية قوة هائلة لـ (ألمانيا الهتلرية).
ونجد إنه بالإضافة إلى الرغبة في التغيير التي تمثل عاملاً جذابًا للانضمام إلى الحركات الجماهيرية، هناك كذلك الرغبة في الحصول على بدائل جديدة للحياة وأحيانًا ما يكون ذلك بالنسبة للبعض بديلاً عن حياتهم الفاسدة أو الفاشلة التي لم يتمكنوا فيها من تحقيق شيء ذي قيمة بإمكانياتهم الفردية؛ لذا يسعون إلى التماهي والاندماج في إحدى الحركات الجماهيرية التي ستمنحهم قضية مقدسة وهوية جديدة يعيشون حياة جديدة من خلالهما. نجد أن "الإيمان بقضية مقدسة هو إلى درجة كبيرة محاولة للتعويض عن الإيمان الذين فقدناه في أنفسنا"، وتتحول عملية الاندماج تلك إلى عملية محو للذات التي يود الفرد التخلص منها ومن الفشل المصاحب لها والمسئولية الناتجة عن الانتماء لها، ويجعل ذلك العديد من الأفراد على استعداد للموت في سبيل تلك القضية المقدسة للحركة التي ينتمون إليها؛ لأن ذلك يمنحهم الشعور بأهمية ذواتهم التي لم تتمكن من تحقيق أي شيء.
ولا تقف التحولات عند تحول المرء من ذاته إلى حركة جماهيرية ما؛ فهناك علاقة تبادلية بين الحركات الجماهيرية وبعضها البعض؛ حيث يمثل أتباع حركة جماهيرية ما أعضاء محتملين يمكن كسب ولائهم إلى حركة جماهيرية أخرى، كما أن الحركة الواحدة يمكنها أن تتحول إلى أكثر من حركة في الوقت نفسه فالحركة الدينية يمكنها أن تتحول إلى ثورة اجتماعية والثورة الاجتماعية يمكنها أن تتحول إلى حركة قومية وهكذا، وأحيانًا تضم الحركة الواحدة خصائص أكثر من حركة بداخلها فقد كان خروج اليهود من (مصر) على سبيل المثال ثورة اجتماعية للعبيد وحركة دينية وحركة قومية، وأحيانًا ما تتحول علاقة التبديل تلك إلى علاقة استبدال تام فلا يقتصر الوضع على التحول من حركة إلى أخرى بل اختفاء حركة نتيجة ظهور حركة أخرى؛ وهذا تحديدًا ما قام به رجال الأعمال فيما قبل الحرب العالمية الثانية حين قاموا بدعم الفاشية والنازية لاستبدال الشيوعية الصاعدة التي ستضر بمصالحهم المادية الخاصة.
إن المنبوذين والمجرمين والعاجزين عن التأقلم يؤثرون في المجتمعات بالقدر نفسه الذي يؤثر به الأشخاص المتفوقون الذين يفيدون المجتمع في مجالات العلوم والصناعة والأدب وغيرها، "إن مسرحية التاريخ يمثلها عادة طرفان، الصفوة من جانب والغوغاء من جانب دون مبالاة بالأغلبية التي تقع في الوسط"، حيث يؤدي رفض هؤلاء المنبوذين لأوضاع المجتمع القائمة التي يعانون منها بالإضافة إلى حياتهم الخاوية والمأساوية التي يرغبون في التخلص منها إلى الانخراط في الحركات والثورات الجماهيرية للتغيير تلك الأوضاع، فقد كان المجتمع الأمريكي بأكمله على سبيل المثال من صُنع المنبوذين دينيًا الذين هربوا من (إنجلترا) إلى تلك الأرض الجديدة.
ويشكل هؤلاء المنبوذون فئات كثيرة ومتنوعة للغاية في المجتمع، هم:
الفقراء
وتنقسم تلك الفئة وحدها إلى فئات متنوعة أيضًا تتفرع عنها، منها: محدثو الفقر أولئك الهابطون إلى مستنقع الفقر حديثًا حيث تحتفظ تلك الطبقة بذكريات عن ماضيها الذي كان يمتلئ بالرخاء، بخلاف الفقراء التقليديين الذين اعتادوا على فقرهم وأصبحت أي تغييرات طارئة تمثل تهديدًا لتلك الأوضاع التي يمكنها أن تصبح بالنسبة لهم أسوأ مما هي عليه؛ لذا فإن محدثي الفقر غالبًا هم من يندفعون نتيجة السخط إلى التغيير والثورة والانضمام للحركات الجماهيرية الصاعدة، فقد كان الدعاة الرئيسيين للنازية في (ألمانيا) والفاشية في (إيطاليا) من أولئك المنحدرين من الطبقات الوسطى إلى الفقر الحديث.
أما الفقراء فقرًا مدقعًا الذين يعيشون على حافة الجوع ويصارعون يوميًا لأجل الحصول على الطعام والمأوى فقط، فإن هؤلاء لا يبالون كثيرًا بالتغيير أو بالحركات الجماهيرية حيث إن حياتهم الخاصة تمتلئ بصراع يومي، بل ولحظي يتمثل في حصولهم على وجبة واحدة وحماية أنفسهم من البرد، أي أن "الصراع اليومي للبقاء على قيد الحياة يحفز على الجمود لا على التمرد"، أما عن الفقراء الأحرار مثل الأرقاء الأحرار حديثًا على سبيل المثال؛ فأولئك أكثر نزوعًا إلى الانضمام للحركات الجماهيرية حيث إن الحرية تمثل عبئًا على عاتق الفرد حين يحاول النجاح وإثبات ذاته في الوقت الذي يفتقر فيه إلى المواهب. تجعل الحرية المرء في مواجهة فشله تمامًا؛ لذا فإن الانضمام للحركات الجماهيرية يمثل بالنسبة لهم تخلصًا من تلك المسئولية التي تقيدهم بها الحرية.
هناك أيضًا الفقراء المترابطون الذين يعيشون في قبيلة أو عائلة كبيرة أو فئة عرقية مترابطة مع بعضها البعض؛ لذا فإنهم لا يجدون حاجة للانضمام للحركات الجماهيرية للتغيير أو للتخلص من ذاتهم، ويمكن القول أن الروابط الأسرية القوية التي تتمتع بها (الصين) هو ما جعلها محصنة دائمًا ضد الحركات الجماهيرية وظهورها؛ فالصيني لا ينظر إلى الموت في سبيل قضيته أو وطنه على أنه ذو فائدة لأسرته بل على أنه خسارة لها حيث ستخسر عضوًا منتجًا من أعضائها؛ ربما لذلك نجد كثيرًا من الحركات الجماهيرية الصاعدة تعمل على تفكيك الروابط الأسرية وإضعاف تأثيرها بالإضافة إلى إضعاف تأثير الأسرة الأبوية كي تضمن زيادة عدد أتباعها وذوبان ذواتهم وكافة روابطهم في داخلها، وقد أدى غزو (اليابان) لـ (الصين) إلى تفكك تلك الروابط الأسرية القوية وهو ما مهد بدوره إلى صعود الحركات القومية والشيوعية بها.
هناك العديد من الفئات الأخرى التي يمكنها أن تمثل أتباعًا متوقعين للحركات الجمهورية من بينها العاجزون عن التأقلم أولئك الذين لا يستطيعون التأقلم مع ذواتهم أو مع الحياة التي يعيشونها ويشعرون دائمًا بعدم الرضا عنها مثل الجنود المسرّحين بعد حرب طويلة حيث يدفعهم خواء الروتين المدني إلى الاندفاع نحو الحركات الجماهيرية الحماسية والمتطرفة. بالإضافة إلى ذلك، هناك الأقليات التي ترغب في التغيير والثورة على واقعها الذي غالبًا ما يشعرون فيه بالتفرقة العنصرية والتمييز والاضطهاد. هناك أيضًا مرتكبو المعاصي الذين يرغبون بدافع من الندم والشعور بالذنب إلى التضحية بأنفسهم في سبيل حركة جماهيرية أو قضية مقدسة تُطهرهم.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان